الأربعاء، 4 أكتوبر 2017

لا تحوّل الخطأ إلى منعطف


حينَ حدّثتْك نفسُك بأن تأتي معصية، ففعلت، هل وجدت نفسَك تتقبلّها، تتكرّرها وتلحِقُها بمعاصٍ أخرى؟ حينَ قاومَ جسدُك المنهكُ حرصَك فأقعدك عن أداءِ الصلاةِ في وقتِها، ما الذي أقعدك عنها مرة بعدَ مرة؟ يومَ أحرزتَ أداءً لا يرضيك في عملِك أو امتحانِك، هل سكنتَ للتقصيرِ فأعدتَّه، أو كرهتَه وأبغضتَ نفسَك لقلّةِ إنتاجيتِها فأبعدتها عن هذا العمل؟ ويومَ نسيتَ موعدًا مهمًا لشخصٍ تحبّه، أو نالَ منك الغضبُ فأخطأتَ في حقّه، هل شعرتَ أنّك غيرُ مستحقٍ للعلاقة لأنك لا تعطيها حقها؟

سُمِّيَ الذنب جريرةً؛ لأن الأخطاء عمومًا يجرُّ بعضها بعضًا. هنا تكمنُ آفتُها، فالمشكلة
ليستْ في ارتكاب الخطأ إنّما في الارتياح له للدرجة التي تجعلُ أفعالنا التي نمقتُها تُغشّينا، فنغدو بعيدين عنّا، كارهين لحالِنا.

في الواقع ليسَ متوقعًا من أنفسنا المجبولة على الخطأ أن تكون على صواب دائمًا، لكنّ عليها ألا تحوّل الخطأ الواحد إلى منعطفٍ يُقصيها عن مسارها الذي تحب.

على سبيل المثال؛ قلبُكَ الذي يلومُكَ كلّما أتيتَ ذنبًا أو قصّرتَ في عبادة- حافظْ عليه حيًا، لا تغمرْه في الذنوب إلى الحدِّ الذي يجعلُ تأنيبَه نائيًا عن مسمعِك، لا تدفعه للتبلِّد والتغاضي عنكَ مهما كنتَ عصيًا، أبقِه يقظًا، اتركْ له فرصةَ تنبيهِك كلّما أويت لمضجعِك، أنصتْ إليْه، راجعَ خطأ ما ارتكبت، لا تكن مخطئًا أبيًا؛ لأنّك إن أخرستَ ضميرَك، سترتاحُ لذنبِك، حينها لن تجدَ سببًا للعودة أو دافعًا للتوبة، ستمضي وتعصي غيرَ آبهٍ ولا نادم، حتى تخسرَ علاقتَك بالله دون وعيٍ منك.
الله الذي يسألُك كل ليلة إن كنتَ مستغفرًا فيغفرُ لك، اللهُ الذي طمأنَك بأنَّ الحسناتِ يُذهبن السيئات، اللهُ الذي يقبلُكَ كلّما أتيتَه ويجيبُك كلّما طلبتَه، الله الذي لا يملّ توبتَك حتى تملَّها- لا تقتلْ النفسَ اللوَّامة التي وهبَك إياها.

كذلكَ الأمرُ مع علاقاتِك بالبشر، إذا حدثَ وجرحتَ أحدَهم، ضمّدِ الجرحَ باعتذار، أتبعِ الكسرَ جبرًا والألمَ تخفيفًا، لا تعاقبْ نفسَك بإنهاء العلاقة لمجرّدَ أنك زللتَ مرة.
حتى في عملِك ودراستِك واهتماماتِك، إنْ قصّرت عوِّض، وإن أخطأت صحّح، لا تعتقدْ أنّك لستَ أهلًا لما أنت فيه لمجردِّ أنك أخفقت؛ إنّما عثرةُ اليومِ تعلِّمك كيفَ تسيرُ غدًا.


طبيعتُك البشريّة مجبولةٌ على ارتكابِ الزلات، فمتى زلّت نفسُك، لا تمقتْها، لا تُطِلْ لومَها، لا تعاقبْها بتجريدِها ممّا أحبّته أو اعتادت عليه وانتمت إليه. أصلحِ أخطاءَك عوضًا عن الهربِ منها، أو على الأقل، اكتفِ بها ولا تستزِدْ منها حدّ اللامبالة.


الأربعاء ١٥ محرم ١٤٣٨هـ

هناك تعليق واحد: