الجمعة، 1 يناير 2016

آمنة ورأس السنة

هلْ تذكرين
كلَ اللقاءاتِ العابرة، وكلَ المصادفاتِ النادرة؟
هلْ تذكرين
كل زياراتِ المذاكرة، وليالي الجنون الساهرة؟
هل تذكرين
تلكَ النشوةَ الطاهرة، وضحكاتنا المتواتِرة؟
هل تذكرين
كيفَ أصبحنا إخوةً كأنما احتوتنا ذاتُ الخاصِرة؟
هل تذكرين
انسياب عُمرَينا معًا، وكل الذكرياتِ الباهرة؟
هل تعرفين
من أنتِ لي؟ يا حظي من الدنيا وحديث الخاطرة

ما زلتُ أذكرُ أولَ لقاء جمعنا،
وأذكر كيفَ فرَط من بعده سبحةً من المصادفات التي لم يسمح لنا الخيال بتصورها.
ممتلئةٌ أنا بكِ وأغلبُ ذاكرتِي أنتِ، في كلِ تفاصيلي أجدكِ، ولا أملّ ..

وهذا التقاربُ الكبير بين أفكارِنا، تصرفاتِنا، ميلادِنا، أقدارِنا- أستغربُه وأحبّه.

أحبّ كل التجاربِ اللطيفةِ التي احتوتنَا؛
كالبحرِ حين مدّ راحتَه الرطبةَ لنرتاحَ عليهَا،
كالريّاض لمّا دعتنَا فطِرنا إليها،
كبيتِك الذيْ رحبَ بنا فسكنّا،
كالليل حين غشّانا سويًا فنمنا، ولأنكِ بطُهرِ الغمامِ لمّا تولّانا الرُقادُ أُمطِرنَا.

سعيدةٌ لأنكِ وعامي العشرين تلقّيتموني سوية، وممتنّة لآخر يومٍ في عامِنا إذْ لمّنا طيلةَ ساعاتِه.

لا حُرمتُ وجودَك النديّ قربي ..()

أمضيتُ من العمرِ عشرينًا

دقاتُ قلبِ المرئ قائلةٌ لهُ .. إنّ الحياةَ دقائقٌ وثوانِي
فارفعْ لنفسكَ بعدَ موتِك ذكرَها .. فالذِكرُ للإنسانِ عمرٌ ثاني (١)

هي بحق محض لحظاتٍ تغُذُّ فيْ السيرِ ولا تقصدُ، تتسابق صوبَنا بنهمٍ لا تملُ ولا ترقدُ، لتُفاجئنا بشوطٍ من العمرِ ينقضي ونحن نشهدُ، دونَ أن نلتفتَ للأيام كيفَ تبتلعُ العمرَ وتقرِضُ، كيفَ تحيلُ الرضيعَ طفلًا وما كدنا نراهُ يُولدُ، وكلّما كبرنُا وددنا لو يعودُ يومنَا الراحلُ أو يتجدّدُ..

حين تحدّثَ النورُ ببزوغِ شمس الثامن والعشرين من شوّال نبّهتني الأرض أني أمضيتُ عشرين عامًا تامّة عليهَا ..
أقتاتُ من خيرِها، أجولُ على محيّاهَا، اندسّ في لجّةِ مائهَا وإن سافرتُ أبقى نصبَ عيْنَيها ..
فماذا عسايَ قدمتُ لهَا إبّان ضيافتِها؟ أو بمَ ستذكرنِي إنْ انتهتْ روحي من زيارتِها؟
وأنا التيْ بدأ جسديْ منها، وبقشرتِها سيتدثرُ حينَ يُغرسُ بين جنبيها!

من رأفةِ الأيامِ بيْ أنها أعلنت بلوغِي العشرين وليسَ الثلاثين؛ كأنها تُنبئُ أن ما زال للفَتَاء تتمّة وللجنونِ بقيّة!
كنتُ أرقبُ حُقبةَ الشبابِ بشغفٍ منذ طفولتِي، وأحرّ ما أنتظرُ أواخرَ عقديْ الثاني؛ لأرمقَ الحياةَ بنظرتِي الأبيّة!
تلهفّتُ لحيّزٍ من الزمان أكونُ فيه شديدةَ القوامِ، سديدةَ الرّأيِ وبكرَ الجَنان .. معطاءةً ناهضةً بالبريّة ..
أردتُ الجمعَ بين حكمة اللبِ وجنونِه، بين اندفاعِ القلبِ وسكونِه، بين لينِ الكيان وصمودِه، وبين طيشِ الحكمِ والرويّة ..
فتبنّيتُ البيتَ القائلَ: فإن تبغني في حلقة القومِ تلقنِي .. وإنْ تلتمسنِي في الحوانيتِ تصطدِ (٢) مبدأً ليْ وقطعةَ قُرطٍ شعريّة
نويتُ وعقدتُ النِيّة، أن أتمنّى وأجودَ فيْ الأمنيّة، فأسعى بروحٍ مناضِلةٍ عصيّة، تجاِبهُ هبوبَ الصعاب مهمَا كانت عتيّة ..!

أراني مقبلةً على عمريَ التالي متفائلة، أريدُ أنْ تعجّ الأحيانُ بالأحداثِ والأوان بالإنجاز وأن أمتلئ بالحيَاة ..!
أشدّ ما تجتاحُني مسغبةٌ لنزولِ ميدان التجربة، أشتهي الجمّ الوفير من سَبْرِ الجديد، ملبيةً ما قصدَهُ الخاطرُ واشتهاه ..
وهمّتي ما زالتْ تُنشدُ الروَى، لإحداثِ التغييرِ وإنهاضِ الورَى، فلا أرحلُ إلا وقدْ وشمتُ بكفّ السنين أثرًا يناطحُ الأفق صداه
أتوقُ للاستمتاعِ بجنونِي كأخت، كابنة، كصديقة وكزوجة! أتشوّقُ لنَهْلِ الصِبا بكل أشكالِه وأحواله؛ فألذّ ما في العمر صِباه!
أوقنُ أنني الآن قد ولجتُ لأكثر العقود قيمةً وأهميّة، حيثُ ألهو ولا أُعاب، وأشيّد لعقدي القادم فيقوى الأساس ويطيبَ القرار


بارِكْ لي يا الله وقتي وأيامي واجعلني ممنْ يُعمرون فيْ الأرضِ إعمارًا خيّرا مُصلحًا تحبّه وترضَاه ..()

١٤٣٦/١٠/٢٨
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) أحمد شوقي
(٢) طرفة بن عبد