السبت، 25 فبراير 2017

سَأمضِي وتمضي

عفوًا! لم أسمعك ..
هلْ قلتَ شيئًا عن عودةٍ بعدَ ابتعاد؟
هلْ اشتقتَ الوئامَ؟

أعلمُ أنّك كنتَ حبيبي،
لكنّك لستَ سيّدي
فسيّدتي الكرامة

لا أرضَى رجوعًا بعدَ افتراقٍ
لا أرضى بلا ذنبٍ
أنْ أُلامَ

أنا يا صاحبيْ في حياتِك
غيمةٌ أوْ محضُ حمامة

مرّت بك
غيرَ عابئةٍ إنْ كنتَ معبرًا
أوْ محطّة مستدامَة

ما دامَ بابُكَ مغلقٌ
فلستُ أهتمّ بطرقِه
أو بتركِ علامة

سأمضي بهدوئي
رزينةً قويّة
كاملةَ القوامة

لنْ أبكي دمًا
لنْ أتلظّى حُرقةً
لنْ أهدرَ فيكَ كلامًا

سأرحلُ بلا حقدٍ
بلا التفاتٍ
ولستُ أنوي انتقامًا

إنّما ينتقمُ من جُرّعَ وجعًا،
ولمْ تتركْ فيّ إيلامًا

كنتَ بعضَ علاقةٍ
أثقلتْ كاهل عُمري وأيّامَه

فتخفّفت منكَ
برضاكَ ورغبتي
دونَ أنْ نَبعثَ في الصّفوِ ازدحامًا

سأمضِي وتمضي
وإذا رأيتُك مرة
قدْ أُلقي عليكَ السلامَ

لنْ ألمِزَك
لنْ أُنكرك

سأقولُ: كان .. وما أكثرَ الذيْ كانَ!


السبت ٢٨ جمادى الأولى ١٤٣٨هـ
حين كانَ اختبارُ العيون قد قابَ قوسين أو أدنى!

الخميس، 2 فبراير 2017

عن رواية عداء الطائرة الورقية

مسكين من يقرأ (عدّاء الطائرة الورقية)؛ سيشقى حتى يجد رواية أخرى تشبهها في ذهولِ أحداثها وقوة تأثيرِها.

طوال الفترة التي أمضيتها في قراءتِها كنتُ في نزاعٍ بين نفسي ونفسي؛ شيءٌ بداخلي يدفعني لقراءتها بنهم، وشيء آخر يشدّني بقوة، يحرّضني على التلكؤ. لأنه يعلم تمامًا حجم الألم الذي يخلفه الانتهاء منها، حين أبحث بجنون عن روايةٍ تشبههُا في سحرها فلا أجدُ ضالّتي .. ما من شيء أقسى من أن تفقد إحساسًا خلّفه فيكَ كتابٌ جيّد!

تتناول الرواية قصةَ أفغانستان الوادعة والجروح التي انشقّت على محيّاها بفعلِ روسيا من قبل والطالبان من بعد. في الواقع، لن تلبثَ في القراءة كثيرًا حتى تصبح جزءًا من حياة الأفغاني الصغير (أمير)، فتألف بلادَه وتتعلقَ بصديقِه المقرب (حسن) -الذي سيكون فيما بعد شيئًا آخر تمامًا-.

أحداثها محكمة الربط، متقنة الإبهار. حتى أنك كلّما كدتَ تنسى موقفًا تتفاجأ به يداهمكَ في فصلٍ آخر.
يتم سردُها على لسانِ البطلِ الحائر دائمًا (أمير) ما يجعلك تدرك تخبط مشاعرِه وصراعات أفكارِه الكثيرة. صراعٌ بين المرء وضميره، بين الإنسانية وعزة النفس، بين الاندفاع في سبيل إحقاق الحق ولانكماش على النفس في بئر الأمان الخاوي، بين الإبقاء على صديقٍ عزيز والفوز بصيت المجتمع وتقدير الوالدِ الجاف .. وغيرها من أهوال الذات التي تضّطرُك لتقفَ إبّان القراءة لتلتقط أنفاسَك وتجمع ما تشظّى من كيانِك كي تتابعَ ما أنتَ مقبلٌ عليه.

ما عدا الصراعات التي تعجّ بها الرواية، ستجدها غنيةً بالفقد. فقد الصديق الأخ، الأب، البلد وفقد الذات القديمة. فيعتصرك الحنين للأماكن، لعبقها، لأجوائها وشمسها .. الحنين للمواقف، لأبطالِها والمشاعر التي تخللتها .. وحنين إلى ما كانَ عليه (أمير) من خير، إلى قلبه الذي كان صافيًا حتى لطخَه بالإثم وعكّره بالهروب من حقيقةِ ما فعله.

أثناء خوضِ الرواية ستكبر مع (أمير)، ستحبّ تحليقَ الطائراتِ الورقية، سيصيبُك الأرق من فرطِ التفكير، سيتفطّر قلبك مما جناه على نفسه وغيره، ستتوق للينِ والده وتشتاقُ لصوتِ أمّه، ستتمنى أن تكون وألا تكون من جبروتِ الحيرة. سترى بلادك وبلاد أجدادك وأجدادِ أجدادك تحتضر أمامَك، ستشهدُ اقتلاعَ وجوهِ باسمةِ الذكرى عميقةِ العلاقة من بستان الحياةِ الذي سلّمه (أمير) للمطر ولمْ يقم يغرسِ أحداثٍ جديدة فيه إلا عندما نضج.

أمّا عن لغة الكاتب، فهي أنيقة بما يكفي لتطعّم قسوة ما يجري بصورٍ جمالية وأساليبَ بلاغية تروق لمقيّمي اللغة. فلا هي الأدبية حدّ التكلف ولا هي المباشرة حدّ الجمود، إنّما تقفُ على برزخٍ رفيع بينَ الجُرفين.


اقتباسات من الكتاب:
"تعلمتُ أن ما يقولونه عن الماضي، عن قدرتِك على دفنِه، خطأ. لأن الماضي يجيد شقّ طريقِه إليك."
"لا كلمة تتردد بيننا، ليس لأننا لا نجد ما نقولُه، وإنما لأننا لسنا مضطرين لقول شيء- هكذا تجري الأمور بين من يمثل بعضهم أولى ذكريات بعض."
"كل يوم أحمد الله أنني على قيد الحياة. لا لأنني أخاف الموت، لكن لأن لزوجتي زوج ولأن ابني ليس يتيمًا."
"الصبي الذي لا يدافع عن نفسه، يصبح رجلًا لا يستطيع الدفاع عن أي شيء."
"تلك كانت فرصتي الوحيدة كي أصبح شخصًا يُنظر إليه، لا يُرى، يُنصت إليه، لا يُسمع."
جماليّات لغوية من الكتاب:
في وصف ردة فعل الفتى حين ضُربَ فجأة "جاءت صرخة حسن حُبلى بالدهشة والألم."
في وصف شخص سلبه الزمان حيويته "احدودبت كتفاه وتهدّل خداه كما لو كانا متعبين لدرجة يعجزان معها عن التشبث بالعظام خلفهما."
عن موقف قديم حدث "كنت أعرف فقط أن الذكرى تعيش بداخلي، كِسرة ملفوفة بعناية من الماضي الجميل، ضربة لون من فرشاة على قماش رمادي قاحل، ما أصبحت عليه حياتنا."
عن إحساس (أمير) حين سمع اسمًا يحمل ذكرى مؤلمة "كما لو كان النطق باسمه فك طلاسم لعنة سحرية، وحررها لتعذبني من جديد."
في وصف السماء بعد هطول المطر "كان المطر قد انقطع وصارت السماء رمادية متخثرة محملة بكتل من السحاب."