السبت، 15 أبريل 2017

لم أخطط لاشتياق


لمْ أخطّطْ لاشتياقٍ
لمْ أرقبْ رجوعًا يلتهمُ الغيابَ
لمْ أرغبْ عناقًا قبلَ الفراقِ

آثرتُ رحيلًا هادئًا
وانسلالًا دافئًا، بصمتٍ
بلا عتابٍ بلا خناقِ

كنتُ قويةً لأجتازَك وأمضي
لأنطلقَ في سبيلي وأرضي
دونَ احتراقِ

دونَ اكتراثٍ، دونَ التفاتٍ
دونَ استياءٍ ..
فبربّك ماذا أصابَ انطلاقي!

مالي تعثّرت
في خضمِ انشغالي
بذكرى ظننتُها عاجزةً عنْ لحاقِي

كنتُ قدْ دفنتُ كلّ ذكرياتِك
في سحيقِ الماضي
فما عادَ لهَا من باقِ

فبدا كأنّها قدْ نمتْ
وأسرفتْ في الكبر
كأنّما عمرُ التجاهلِ كان لهَا الساقي

ما لطيفِك يباغتُني باندفاعٍ مجنونٍ
والمشاهدُ أنصالُ شوقٍ
تأبى إلا اختراقي؟

كأنّما قدْ بُعثتَ من العدَم
تبًا! أمَا للذاكرةِ من حُرَم!
كيفَ فيْ جبّ انشغالي يتمّ استراقي

أمَا أماتتَك السنين؟
سُحقًا من أينَ يقتحمني الحنين؟
كيفَ يُحاربني عنوةً اشتياقي؟

كيفَ لهذا أنْ يكون؟
كيفَ للذكرياتِ التي ماتت أن تخون؟
وتطوّقني حدّ الاختناقِ!

كانَ على الأيامِ أنْ تطويَك
وعلى المشاغلِ الكثيرةِ أنْ تبلعَك
دونَ تقصيرٍ دونَ إشفاقِ

لعلّها فعلت .. ثمّ تقيّأتَك
بكلّ الصورِ التي وضّبها رحيلُك ألقتْك
دونْ إنذارٍ سابقِ

ربّآه .. ما أسوأَ الفقد!
أوّاه .. ما أقسى البُعد!
ما أبشعَ حضورَك بعدَ افتراقِ!

إنّي لا أحتملُ ضعفي
فبالله عليكَ انتفِ
لملمْ كلّ ذكرياتِك واختفِ
كي لا تنتهي مساعي النسيانِ بالإخفاقِ

الجمعة ١٧ رجب ١٤٣٨هـ

الاثنين، 3 أبريل 2017

هُوَ يُبتلى وأنتَ تَبلَى

كنتُ كلّما أصابنِى حَزَن، وجدتُ منهُ إلى ما سواهُ مهربًا
كأنّ لي قلبًا لا يَهِن، لا تجدُ الآلامُ إليه منفذًا ولا مقربَة


كبرتُ وأكثرُ ما أجيده هو الهرب من صلبِ الألمِ وجبِّ المحن. كنتُ أقوى من أن أتركَ الوجعَ يفتكُ بي، وأقلَّ مبالاةً من أن أكترث له. فكلّما بدت الأيامُ أثقل من أن تمر، وتقاذفتني الأقدارُ بينَ مدٍّ وجزر، كنتُ أنسلُّ بلبّي إلى حيث المفر .. فإمّا بحرٌ يطيبُ خافقي إذا تهادتْ أعزوفةُ موجِه إلى مسمعي، أو منام ألجأ إلى عمقِه فيتولّى تبديدَ الهمّ مهجعي، وإمّا سيرٌ نحوَ الأفق أخطوه فلا يدركني الحَزنُ وإنْ لمْ أسرعِ.


لكنّ الأمرَ كان مختلفًا حينَ تجاوزتني الأقدارُ وأصابتْ من حولي؛ كالمرضِ الذي ألزمَ أمي سريرَها، كخبرِ وفاة عمّي الذي طأطأ رأسَ أبي وأحنى ظهرَه، ومصابِ صديقتي الذي سلبَ من مُحيّاها مبسَمَه ومن لونِها حيويّتَه.
كانَ حظّي باسمًا وحظوظُ من حولي عابسة، فلمْ أقوَ على التبسّمِ!
توالت المواقف بعضَها وفي أثنائها كلّها حافظتْ ملامحي على جمودِها وردودُ أفعالي على هدوئها. بقي كلّ ما فيني راكزًا مطمئنًا، إلا أنّه من الصعبِ أنْ ترى أعزَّ أعزائك ينهارون وتظلّ مترابطَ الجأشِ .. لذلك كان داخي متهشّمًا.
لمْ يكنْ من الممكنِ أن أهربَ إلى النومِ أو البحرِ أو السير في حينِ أنّ هُناك من يحتاجني بقربه، لأربط على قلبه وأشدّ من بأسِه.
فمكثتُ في قلبِ الموقف ولازمني في مكوثي الغثيانُ لزومَ النفس. لم تكن أحشائي تهدأ أبدًا، أصرّت على هيجانِها لأيّام طويلة دونَ أيّ عدوى أو مرض. فيما بعد علمتُ أنّ هذا بسببِ الاكتئاب. لعلَ الاكتئابَ الذي لم تستطعْ أقداري تحقيقَه حدثَ بفعلِ أقدارِ منْ أحب!
بعدَ كلّ هذا، أجدني ممتنّةً لأنّ أمي استعادتْ صحْتها، وأبي شدّته، وصديقتي مبسمَها، ممتنّة لأن المياهَ عادت أكثرَ عذوبةً بعد اضطرابِها، وهذا الامتنانُ أهلٌ ليعيدَ لروحي ضحكتَها.


قدْ لا يبتليكَ اللهُ فيْ صحّتِك أو مالك أو أيّ من شأنك، إنما يبتلي من تحب فتبلى أنت!
إنْ تأمّلت الأمر ستجده لا يقلّ عن كونِه اختبارًا لك، وصبرُك يكمن في أن تلاحظَ ذبولَ العزيزِ عليك دون أن تسخط، دونَ أن تيأس. أن تروي روحَك لتبعثَ فيه من حيويّتِك. أن تتألّم لألمِه فتشدّ من أزرِه وتزيدَ من صبرِه. أن تبكي ولا تشكي، أنْ تُرهَق ولا تَزْهَق، أن تتوجّع ولا تجزَع. أن تجمع قوة العالمِ فيك كي يجتازَ عزيزُك محنتَه من خلالِك. ثم إذا استعاد قوّة مبسمِه، لكَ أن تعودَ إلى نفسِك فترمّم ما نتأ فيها من قلّة حيلة، وترتِقَ ما فُتِقَ من الصورِ الجميلة.

أمّا إذا ابتُلي عزيزٌ عليك، فاصبرا معًا.

الإثنين، ٦ رجب ١٤٣٨هـ