الأربعاء، 2 نوفمبر 2016

مهلًا أخي!



كَتبت هذه الخاطرة بلسان حال طالبة طب سورية رأت جثة أخيها في محاضرة التشريح بعد ٣ سنين من اعتقاله ..

***


كنتُ أحسبُ يومَ غيابِك
أبقى الأيامِ في ذاكرتي
وأقساها في منطقي وعُرفي

لكنّ لحظة رؤيتي لك
حلّت كما الطامّة
نفَت كل عمريَ الماضي
وستُشغلُ منهُ ما بقي

ظننتُها لعبةَ اختباءٍ طالت
ظننتك تحاولُ أن تختفي

فبحثُ عنكَ
وبحثتُ حتى ضللت
فرجوتُكَ أنْ تكتفِي

وقفتُ في عراء الغربةِ
صرختُ حتّى تفتّق حنجري
واستغاثت أحرفي

ناديتُك أن أخي ..
قدْ أبلانيَ البُعدْ
باللهِ عليكَ أوجزْ اختباءكَ
لا تسرفِ

فكأنّ أوتارَ صوتِي قد شدّتك لي
أو كأنكَ أشفقت بي
فجئتني ..
كمنْ بُعِثَ بعدَ أنْ نُفِي

جئتني جسدًا جردًا
على كفّ حلمي الذيْ
أنقضَ صحويْ قبلَ مضجعي
كصفعةٍ مرَقت ولمْ تتخفّفِ

أين روحُك!
أينَ روحُكَ لمْ تجلبْها معَك
أنسيتَها ..
حيثُ كانَ النفي؟

وعدّتني يومَ الرحيل
أنْ تعودَ سالمًا
ما لكَ لمْ تفِ !

أينَ أحبالُ الأمل؟
أينَ ابتهالاتُ أمّي التي
اقترنَ عمرَها الانتظارُ
ولمْ تتأفّفِ

أينَ كلّ هاتيك الوعود؟
وبريقُ الرجاءِ في مأقِ العُيون؟
ما للأقدارِ تجرفهَا بحزمٍ وتنطفي

ما لك تأتيني بكلّ الذكرياتِ
بكلّ ضحكاتِنا وعذب الأمسيات
يسردُها صمتُك ويُشعلهَا السكون
فلا أنتَ تذكرُها ولا أنتَ تحتفي


أتذكرُ يومَ أخبرتُك عن حلمي
بأن أكون طبيبة؟
اخضّر حلميْ ولمْ تزل
أوراقُه نضرةً لمْ تتجفّفِ

لكنْ هيهات ..
فأيّ قوةٍ بعدَ مرآكَ تحملُني
كيْ أتابعَ المسير؟
وأنّى لقلبي أنْ يمتْ
فينالَ العلمَ بتجزيء جسدِكَ الصفي!

ها أنتَ هُنا وها أنا
اليومَ أُودعكَ حلمي
كيْ تجتثّه منكَ زميلةٌ
كانتَ معي يومَ تشريحِ الجثّةِ ..

الأربعاء٢ صفر ١٤٣٨

٢ نوفمبر ٢٠١٦