الجمعة، 4 سبتمبر 2015

لا ترحلْ صامِتًا..!


مَالك اعتزلتَ بنيْ جنسِك واسْتأمنتَ البحَر؟
مَالذي أوداكَ لتلتحِفَ التُربَ عوضًا عنْ رفقِ البشَر؟
أسَئِمتَ اسْتسقاء الفرجِ، أمْ أعياكَ القدَر؟
بعدَ أنْ غُذّيتَ بالآلامِ حدّ الشبع، وتجرّعتَ القهَر
أتُراكَ أطلتَ النّداءَ .. فلا الذي لبّى ولا الذيْ نظَر..!
تأخّرتْ أيدِينا فالتقمَ الموجُ نسمَكَ المحتضِر
ليحتضنَ الشطُّ جِسمًا تهاوى .. بأمرٍ قدْ كانَ قُدِر
رويدًا طِفلنا .. رويدًا طفلَنا ولبنةَ أمّتنا انتظر ..
لا ترحلْ صامتًا .. لا ترحل صامتًا وتتركْ لنا ضميرًا مُستعِر
باللهِ ربِكَ أجزلْ فيْ العتابِ ولا تختصِرْ
قل ما تريد .. لا تذرْ في الجَنانِ قولًا مُستقِر
لُمْ .. فإنّا منا الباذلونَ وكثيرٌ معتذِر
ثمّ اجمعْ شظايَا أمَل؛ فذا مَحضُ يومٍ عسِر
والحقُّ وإن طالَ نِزالُه لا بدّ منتصِر
ما دامَ فينَا المُصلحونَ ولنا ربٌ مقتدِر

الأربعاء، 29 يوليو 2015

أنُطلِقُ لأفكارنا العنانَ أم نطلقُها..؟

عقولُنا في امتطائهَا سنامَ الزمنِ،
وفي ترحالِها من وإلى الوطن
تشبه المارّة على دربٍ أحَمّ، 
منهم من عجّل خطوَه ومنهم من عدَن ..

بين جنبيها ومن حولها أفكار لا تكف تدور،
شيءٌ لا يُثقِل الطريقَ بوزنِه وسواه يُرعِدُ العبور،
كالموجِ منه ما هو هادئ ومنه ما تُشَقّ به الصخور..!
فأينما أجال اللبُ طرفَه وقعَ على فكرةٍ تشتدّ وتخور،
وإنْ لم يُجلْه اعترضتُه غيرُها بغتةً دونَ إنذارٍ بالحضور!
تشبهُ في قدومهَا الريح، تلفحنُا سويًا وكلنا مرور ..

الأفكارُ ذاتها تحوم، لكننا في تلقّيها مختلفون.

منّا من تعبرُ الفكرةُ خلالَه فلا تُصدرُ همسًا ولا تترك أثرًا، تمرّ كأن لم تكن. فهذا من يرضيه أقل ما يكفيه، لا يرى سوى الاستسلام لقدر وجد نفسه فيه، يلبدُ حيثُ يُوضَع منتظرًا من الأحداث أن تتداوله وتأتيه. يلج إلى الأرض يتزود من طيباتها دون أن يقصد هدفًا، يقتاتُ بخيرها وليس يسلك دربًا. ثم إذا لقيه أجله التحف تُربَها دون أن يترك لها شيئًا إبان مكوثه أو بعده. كأن صفحة حياته وجه معدم الملامح، تقبل أيما يُرسم عليها ولا تعبّر..!


وآخر من بيننا إذا راودته الفكرة التقفها فور ظهورها، ثم التقط الفكرة تلو الأخرى واستحضر أفكارًا أخَر، حتى إذا جمعَ مخزونًا يُشبِعُ نهمَ لبّهِ شيّدَ من أفكاره سلمًا تخطيطيًا يتسلّقه ليبلغ قمة مراده. فتراه دائمًا السابق والقائد، كلما حدث فِكرُه بشيء لبّاه. ويحدث أن تهبّ الخاطرةُ كنسْمةٍ تهزُ وريقات عقلِك أو قلبِك، ثم لا تلبثُ أن ترى سواكَ يفعل ما يدور بخلدِك أو يُتمّ ما نويتَ أن تفعلَ؛ لأن ذات الفكرة لفحتْ ذهنيكما فأعرضتَ عنها وتلقّاها..! فهذا من ترى له في مختلف الميادين جولات وفي شتى العوالمِ أمارات، لا يغادرُ الدنيا إلا وقد أورَثَهَا أثَرَه..!

أما النوعُ الذي يمثّلُ أكثرنا .. فما أكثرَ وأعظمَ ما اشتهى، وما أقلّ ما به انتهى..!
يودّ أن يفعل، يغير، يثْبت ذاتَه، يُحدث تحولًا، يتركَ أثرًا وينشر فِكرًا .. أمنيته الوحيدة: أن يبلغَ أقاصيْ أمنياتِه! فتزهدُ به الأماني ولا تأتيه واقعًا محققًا أو قريبًا موشِكًا. فهذا من تهمسُ الفكرةُ حوله بإلهامٍ، فيلتقطها، يحتضنها قليلًا في أحشاءِ لبّه ثم يُطلقها .. يتركها للفراغ عوضًا عن أن يُطلقَ لها العنان المنتهي بالتحقيق. وهكذا من بعدها الأفكار، تزور خلَده ثم ترحل. ليجد نفسه بعد أمّة ممتلئًا بذكريات الأفكار أكثر من الأفكار نفسها. أكثر ما يرتقبه الفرص، ينتظر صدفةَ النجاحِ فلا يسعى إليه، ويمضي عمره آملًا من هدفِه أن يقصده..! فلا هو الذي أنجز، ولا هو الذي استراح..!


حياتنا تشكّلها وتحيطها الأفكار، مدَّ بصرك حدّ الأفق، أصِخْ سمعَك حدّ الدبيب، تعمّق بعقلكَ حدّ النواة وأطلقْ لقلبكَ عنان الإحساس .. ثمّ استثمر ما يعترضُك من أفكارٍ؛ فأنتَ في الدنيا خليفة..!

الثلاثاء، 7 يوليو 2015

غُربتِي عنّيْ..}


فيْ مسيرةِ أيّامِي المحشوّة بالأقدار كبحرٍ لا شطّ يحدّهُ ولا قاع يختِمه،

في غمرةِ عَيشي الذي يُشبهُ عازفًا لا يعزِفُ إلا ما حذِقت أنامله،
يلي كلّ وتيرةٍ بأخرى تماثلها وبين كل وتيرةٍ وتاليتِها وتيرةٌ تشبهُ كليْهما،
كأن أناملَه قد حفظت خطوها وخطاها فلا تسير إلا كما لقّنها منْ قبلُ عقلُه،
ولم يُعِد بعد ذلك تلقينها أو يغير ترتيبها الذي راقَ له،
فدأبتْ على ما تراهُ أسهل لها ويوقنُ أنه الأسلمُ له..!

ما الذي أضفتُه للحياةِ وماذا أحدثتْ بي؟
ماذا صنعتُ بيَ ماذا اقترفتُ؟
أحقًا كنت ما أريد، وحلمي المنشودَ بلغت؟

ارتأيتُ أن أجالسني ففعلت وتساءلت ..
ألبّيتُ نداءَ الشغفِ يومَ هَوَى؟
أو اكترثتُ لاستغاثات الهوى؟
أستجبتُ لما حدّث الفؤادُ وما نوى؟
أكنت يومًا ما أريدُ أم تمنيّت وعيلَ المُنى؟
ما للذي أرجو كلما طويتُ من العمرِ يومًا نأى؟
ما له ينْزحُ غيرَ آبهٍ بخلجَاتِ الجَنان وما حوى؟
كالأفقِ كلما ظننتُ أني لا بدّ بالِغَتُه قصَا..!

ها أنا اليومَ هُنا، فهلْ تراني ما زلتُ (أنا)؟
إنّي أفتقدني بيننَا، أستغربُ ما أتى العمرُ وما جنَى،
فليسَ هذا ما رجوتُ ولا هذا بالرّنَا..

كنائيةٍ عن نفسها تغشتها الغفلةُ عن حلمها وواراهَا السُبات،
منكفئةٍ عمّا تريدُ يتعدّنها الشتات،
خشيتْ الإفصاح فكان سيّد كلامِها الإنصات..

هذي أنا، وما هذا الذي أردتُ يومًا أنْ أكونه..!

يُوهنني الاغتراب عني يؤرّقني الاشتياق،
يؤلمني تجرّدي منّي يمزّقني الالتياع،
فهلْ يُدغِمُني بكياني التياق؟
وأنا التيْ التهيتُ عنه فانتهيْنا إلى انفتاق..!


ما زلتُ أرى حلمي الذي ناشدته ملوحًا ينتظِر،
يرتقب اقترابي قبل أن يُوأدَ أو يحتضِر،
وقد أوشك يدركه التلاشي حين ابتعدتُ عن كياني المندثر..
رويدًا حلمي لا تفلت من حتمية التحقيق اصطبِر،
تريّثْ في الهجرِ إن بي جوعًا للوصول وتوقًا مستعِر،
يؤملني يقيني القاصمُ ولي ربٌ مقتدِر،
فبابُ بلوغك لا بدّ مشرعٌ وأملي حتمًا منتصر ..


٦:١٩ الأربعاء ١٤ رمضان ١٤٣٦هـ