الأربعاء، 3 يونيو 2020

كلمة التخرج


"وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا"
ماذا وقدْ بلغنَا؟ ماذا الآن وقد مضينا في السعي وجُبنَا حتى وصلنَا؟ قد أطلنَا الركض، ركضنا حتى فترنَا، لكنّا والله ما استسلمنا ولا يئسْنا.
والآنَ وصلنا ..
الآن وقدْ بلغنا هذا المطرح، آن لنا أن نبرح، أن نُعلِنَ الوصولَ ونفرح، نحتفي بتمام المنالِ ونسرح، نعلو بالهتافِ ونصدح، إنّا قد بذلنا وسعنا، ومن يبذلْ يربح.

قدْ ارتوى ظمأ الأحلام، وهدأ أخيرًا سباقُ الأيام، قد رسونا على شطِّ السلام، آمنين مطمئنين لحسن الختام، مقبلين بحبٍ على قادمِ المرام .. في هذا الفصلِ من الحكاية، تبدو كلّ الأحداثِ مغايرة، تهونُ الليالي الساهرة، وكلّ ساعاتِ المذاكرة، تلينُ المعاركُ الخاسرة، وحُلكةُ الأيامِ الباسرة، لتنسجَ كلُّ خيوط الجهد نهايةً فاتنةً باهرة، فكأننا لم نذق يومًا شقاء، وكأن كل الآلامِ عابرة ..

الحمدُ للهِ على التمام، والحمدُ لله أن سخّرَ لنا البلادَ والأنام ..
فشكرًا للوطن، على الفرص والمنح .. شكرًا للأمهات، على كل مرة تفهمن فيها غيابنا عن الاجتماعات العائلية، لأننا منهمكون بالمذاكرة اللانهائية، وعن كل مرة احتوين فيها انهيارنا وشدَدْنَ فيها أزرنا .. شكرًا للآباء والأخوان، الذين التزموا بتوصيلنا للجامعة والمستشفى التزامنا بدواماتنا .. شكرًا للأزواج والأخوة والأخوات، على كل المرات، اللاتي أدّوا فيها مهامَ المنزل عنّا لأننا منشغلون بالاختبارات، والمرات اللاتي فحصناهم فيها تمرنًا على اختباراتنا السريرية .. شكرًا للأصدقاء، رفقاء الرحلة العظماء، الذين صححوا تصرفّاتنا الرعناء، فلانوا لنا حينَ قسَوْنا على أنفسنا، وشدّوا عزمنا حينَ أرخيناه مستسلمين لضغفِنا. حتى بلغنا سويّة، أحلامَنا الورديّة، وانطلقنا بأرواحٍ نديّة، ومساعٍ أبيّة، نحوَ عوالمَ نشبهها وتشبهنا، نحوَ العوالم التي كان ذكرها طيلة السنين الماضية عزاءنا وأُنسَنا، وقدْ غدت اليوم واقعًا نعيشُه كما يحلو لنا ..

فالحمدُ للهِ أنْ علّمنا وبلّغنا، سائلين إياه أن ينفعنا وينفعَ بنا ..

٣ جون ٢٠٢٠
يوم حفل التخرج -الذي لم يتم- في زمن الكورونا