الاثنين، 10 سبتمبر 2018

١٤٣٩هـ عام من حب



إن كان لا بدّ أنْ أسمي هذا العام أو أصِفَه، فسأسمّيه عامَ العلاقات؛ ليس لأنها تكونت وتكاثرت، إنّما لأنها بلغت من نفسي مبلغًا عميقًا، أن حضورَ وجداني وأنا بين عائلتي أو ذويّ صار أقوى .. أكبر .. أجمل وأكثر عذوبة في نفسي.
هو عامُ العلاقات لأنني قضيتُ أغلب أوقات فراغي في صالة منزلنا أوجد نشاطًا يجمعنا، لأنني صرتُ أتبادل الأحاديث والضحكات وصنعَ الذكريات مع أمي وأخواتي أكثر من ذي قبل، لأنني بدأت علاقةً جديدة لا تشبه شيئًا مما مررت به سالفًا، عرفت عمار، أحببته وارتبطت به، فازداد حبي له أكثر.
عامُ العلاقاتِ لأنه صنع بيني وبين من حولي مواقفَ للذكرى، كرحلة العزوبية مع بنات عمومتي، حفلة توديع العزوبية التي دُهِشْتُ بها، وحفل زفافي الذي دفع أعزّ الناس على قلبي للسفر مستقلين الطائرة، القطار أو السيارة لحضوره ومشاركتي فرحتي. كان مبهرًا كيف يتعنّى أحدٌ السفر كي يكون قريبًا منك في أكبر نقلاتِ حياتِك، كانت الرحلات العديدة القاصدة زفافي من مختلف المدن تشعرني أن زواجي كأس العالم! وقد كنتُ حينها أسعدَ من في العالم.
بالحديث عن العلاقات، لعلّ على رأس الأمور التي تُحكى هو أنني وأعزّ صديقتين كما درسنا الثانوية، تخرّجنا، انتسبنا للجامعة وسافرنا معًا، فإننا جميعًا نضجنا هذا العام معًا، كلٌّ على شاكلتِها؛ إذْ تزوّجتُ، تخرّجتْ آمنة، وباشرتْ وظيفتَها الرسمية غادة. آمنة وغادة صديقتان للعمرِ لا للحظات، صديقتان لصادق المواقف لا للمظاهر، صديقتان لدقيقِ المشاعر وعفوية الكلام. دائمًا أقول: هناك ما يسمّى أصدقاء وهناك ما يسمّى آمنة وغادة. شي أعمق، أبلغ، أقرب، أنقى وأبقى.

هذا العام أثبت لي أنّ حضور المشاعر لحظةَ الموقفِ ألذّ من أي شيء، ألذّ من التحضير المسبقِ والذكريات اللاحقة. ولعلّ أكثر ما أشعرُ بالامتنانِ حيالَه هو كوني انتقلت من هوسِ التوثيقِ إلى التسليم للحظة، إذ أنني خرجت في رحلة سفر ٣ مرات باختلاف رفقائها ولم أشارك شيئًا وقتها على مواقع التواصل الاجتماعي. وحين عدت وجدتني ممتلئة بجمالِها متخمةً بالأحاسيس التي صاحبتها. كأنني تفرّغت لتلقّي كلّ المشاعر اللحظية الصاخبة والوادعة، فما الذي يصنع حلو الذكريات سوى كامل الاستيعاب للأحداث؟ لن أحب الاحتفاظ بصور لن تحرّك بداخلي شيئًا حين أعود لأنظر إليها بعد عمرٍ من الآن، سأفضّل الصور العفوية والمقاطع الغير مقصودة التي أُخذت على حينِ غُرّة وأنا في غمرةِ الأحداث، سأحب دائمًا أن أكون بينَ من أحب بحضوري الكامل وامتناني التام لوجودهم حولي.


أخيرًا، بمناسبة الأربعينية الهجرية ومع الموجة الصاخبة المنادية بالاكتفاء الذاتي والاستغناء عن الناس لأنهم لن يزيدوك أو ينقصوك شيئًا؛ فإنني لا أظننا خُلِقنا لهذا، أظنّنا رُزِقنا طاقةً من الحب تزيد كلّما استقينا أو أعطينا منها أكثر، أنّ لنا أن نتصالحَ مع ذواتِنا ومع ذواتِ غيرنا، أن نحبّ أنفسنا ونحبّ من حولنا دونَ أن نخفي عنهم ذلك، ليسَ لأننا لا نستطيعُ العيش بدونِهم ولكن لأنهم دون شكَ داعٍ من دواعي السعادة ومصدرٌ من مصادر الدعم الذي يعطي حياتنا سياقًا أجمل وطعمًا أحلى. ليسَت خلواتُنا فقط من تعرّفنا بأنفسِنا، نحنُ نكتشفُ ذواتَنا من خلالِ من نُحب.
الحمدُ لله على الأهل والأصدقاء .. على الحب والامتنان والسلام الداخلي الذي يتعدانا ليتولاهم .. الحمدُ لله الذي سخّر لنا أناسًا ومشاعرَ ومواقف.


الأحد ٢٩ ذو الحجة ١٤٣٩هـ