الجمعة، 8 يونيو 2018

التدريب الصيفي على الصعيد الشخصي




كان هذا الأربعاء آخر يوم لي في التدريب، كما كانت المرة الأولى التي ألتحق بها بنشاط أكاديمي خلال شهر رمضان. جرت العادة أنني أعيد رصَّ ذات الحجج التي تقف بيني وبين التدريب في كلِّ صيف كلَّ عام؛ على غراررمضان أول شهور الإجازة ولا طاقة لدي للعمل،الالتزام الأكاديمي في رمضان سيشغنلي عن عائلتي وعبادتي،الإجازة لراحتي وليست لاستمراري في الدراسة،على رمضان أن يكون فرصةً روحانية بعيدًا عن أي شيء”.
وعلى رأسها كانت حجةكيف أداوم بدون قهوة!”
بشيء قليل جدًا من مقاومة الذات، تقدّمت للتدريب في قسم الطب النفسي، مع تبييت النية بأن ردة فعلي لن تختلف سواء قُبلت أو لا.

قُبلت ..
حينها تملّكتني سعادة غامرة، كأنني انتبهت فجأة لمدى فضولي تجاه الطب النفسي ورغبتي العالية في خوصه كتجربة إن لم تضف لي خبرة فستضيف ميولًا.
في الواقع أضافت لي شيئًا أكثر من ذلك بكثير .. على أصعدةٍ شتّى. انتبهت إلى أن أدائي والتزامي كانا جيدين بما يكفي لإثبات ذاتي والحصول على تقدير الأطباء من حولي، رغم أنني أداوم بدون قهوة!

كما أضاف لي التدريب قدرًا لذيذًا من الدهشة .. كنت أنبهر بمدى حنكة الأطباء ومهارتهم في استخلاص ما يدور داخل المريض من خلال حديثه إليهم، أنبهر من معاملتهم اللطيفة والمقنّنة التي كانت تختلف من مريض لمريض وفق ما يناسبه. كان مذهلًا كيف لطبيب واحد أن يتحدث مع أشخاص عدّة كلٌ على شاكلته، ليخرجَ الجميع راضيًا، دون أن يختلّ النظام، دون أن يقصر الطبيب أو يتضرر المريض.

شيءٌ آخر جميل أكّده التدريب يفضي إلى أنّ الشغفَ هو المحرّك الأولُ للإنسان ..
التقيت في القسم بطبيب تخرج منذ ستّة أعوام، لم يكن له نصيب في القبول في برامج الزمالة، لكنّه كان متأكدًا من كونِه خُلق ليكون طبيبًا نفسيًا، فقرّر العمل دون مرتّب على أن يحظى بخبرة وفرصة ممارسة المهنة التي يحب تحت إشراف الاستشاري .. فكان له ذلك.
الملفت في الأمر هو أنه كان دائمًا أول الحاضرين، وآخر المغادرين، كان موسوعة علميّة، كلّما سألته عن شيء سردَ لي من الدراسات التي تناولت سؤالي أحدثها وأقواها وأكبرها، حتى يُشبع فضولي عن آخرِه، كان يجيد توثيق الأربطة بيني وبين الطب النفسي، كأنّه بحديثه عن ثنايا التخصص يؤكد لي مدى جماله.
مبهرٌ أنّ أحدهم ينفع الفريق الطبي والمرضى والطلاب بكلّ ما أوتي من طاقة دون مقابل مادي! -شكر الله له مسعاه- مبهرٌ أنّ شغفَه كان كفيلًا بدفعه للعمل والاستزادة من العلم بهذا القدر العظيم.

أخيرًا .. بنهاية هذه التجربة عرفت أنني أقوى ممّا أظن، أنّ كل العوائق التي أضعها، أنا فقط من يستطيع إزاحتَها، أنّ الحلَّ لي متى احترتُ تجاهَ شيءٍ لا شكَّ في صوابِه هو أن أتوقفَ عن التفكير وأتخذ خطوة نحوَه، ثمّ ستتوالى التياسير.
ممتنّةٌ أنا لفرصة التدريب، ممتنّة للأطباء المعطائين الذي التقيت بهم، للمرضى الذين أسعدني تحسنّهم، للعلمِ الممتعِ الذي قرأت وسمعت عنه حتى أحببته .. الحمد لله.


الجمعة ٢٣ رمضان ١٤٣٩هـ