الاثنين، 9 يوليو 2018

شرم الشيخ



لم أفكرْ يومًا في زيارة مصْر، على الرغمِ من أنّ أبرزَ الكُتّاب الذين أسكَنُ لرواياتِهم وأستلذّ بها مصريين؛ كنجيب محفوظ، رضوى عاشور، بهاء طاهر ومحمد عبد الحليم عبد الله. أعترف أنني كنت أفرطُ في تخيّل دهاليز مصر عندَ قراءة الروايات التي تتناولُ تاريخها وثوراتها، أو تأتي على ذكر أشهر معالمها بشكل عابر، أو تحكي أحداثًا اجتماعية جرت في أتراعِها، لكنّي لمْ أتُق يومًا لرؤية هذي الدهاليز رأي العين؛ ربّما لأنني حين أملكُ خيار السفر فإني أفضلُ الرحلات المجنونة على رحلات الآثار والتاريخ.

زرتُ مصر أخيرًا .. وكانت زيارة مجنونة! لا تشبه شيئًا مما قرأت، لم أكن في دورِ أيٍّ من أبطالِ الروايات التي سلّمتُ لها قلبي ولبّي، ولا وقفتُ على أحد الأطلالِ ولا استحضرتُ شيئًا من المشاهد التي كانت تسلبني حواسّي حين القراءة، ولا حتى تذكرتُ مكتبة دار الشروق المصرية التي عادةً ما تكون على رأس قائمتي كلما ارتدت معرضَ الكتاب.
كان قرارًا وليدَ اللحظة بدوافع بسيطة تسعدُني على صعيدٍ شخصيّ بحت. كنت وقتها في خضم التجهيز لعدة مناسبات عائلية حينَ اقترحتْ عليّ بنات العائلة اللاتي يصغرنني ببضعة أعوام مرافقتهن إلى مصر مطلعَ شهرِ شوال .. طرأتْ في بالي أفكارٌ عدّة لا تمتُ لبعضها بصِلة؛ تستهويني فكرة أن أسير تحتَ سماءِ القارات السبع في عمرٍ مبكر، أريدُ أن أتذوّق شيئًا وأتنسّم هواءً من كلّ قارة، ولم يسبق لي أن سافرت إلى إحدى دول أفريقيا .. كما أنني أتوق لسفرٍ أمارسُ فيه جنوني قبل النقلة الحياتية التي أقبلُ عليها، كنت دائمًا أتطلع لرحلة توديع العزوبية، ليسَ شوقًا للعزوبية وإنما حبًا في السفر وفي التجربة، أردتُ أن أسافر حاملةً نفسي فقط، شيئًا مغايرًا لرحلات العائلة ورحلات العمل أو الدوراتِ التدريبية .. أردتُ شيئًا يشبه جانبي الذي لم ينضج بعد.

فكان لي ذلك ..
طِرتُ إلى شرمِ الشيخ أوّلَ أيامِ العيد، مع أنّي اعتدتُ وقدّستُ قضاء العيد مع أسرتي، إلا أنني قاومتُ نفسي وكسرتُ القاعدة، على الأقل حظيت بإفطار العيد والتقيت بأغلب أقاربي قبل ذهابي للمطار، وهذا ما واساني طوال السفر.
كنّا مجموعة كبيرة مليئة بالحياة، وكان سفرًا مُترعًا بالمرح. يجذبني فيمن يصغرني عمرًا نشاطهم الدافع لكلّ شيء وإقبالهم العالي على التجارب، تضحكني نكاتهم وسخرياتهم وتمتعني أحاديثهم. في الواقع أني أحب الاختلاط مع فئات عمرية مختلفة لأن التعرض لموجات فكرية متباعدة يلهمني جدًا، لكني هذه المرة لم أحتجْ لعقلاء. قضينا الأيامَ كلها في الأنشطة المائية والألعاب المجنونة التي هي أولى أولوياتي في السفر، لم يمضِ يوم دون مغامرة، دون مُتعة فائقة وكثيرٍ من الضحك.
تعرّضت للشمس معظم النهارِ بطبيعةِ الحال، وكانَ هذا منافيًا للتوصيات التي حرّصت على أن أتجنّب كل ما من شأنه أن يفسد بشرتي قبل الزواج، والنصائح التي أصرّت على ألا أسافر وأن أقضي هذي الأيام في السوق وجلسات التنظيف عوضًا عن اللعب، إلا أنني استمتعتُ جدًا ولم يلفحني شيءٌ من الندم.
كانت هذه المرة الأولى التي أسافرُ فيها بخِفّة، دون أن أكون مسؤولة عن حجز الفنادق والجدول اليومي للمتنزهات كالعادة، كنت أنام وأتنقل وأنا لا أعلم ماذا سيكون غدًا، كل ما أعرفه هو أنني على صدد مغامرةٍ أخرى مبهجة، وهذا بدوره أضفى إحساسًا لذيذًا على الرحلة.
عند عودتي كنتُ وحيدة وسعيدة، سعيدة جدًا، أرتدي فستانًا ريفيًا يعجّ بالورود، أصطحب حقيبةً مورّدة وكتابًا. أحب الإحساس الذي تتركُه فيني الممارساتُ الصغيرة، كهذا النسيم العذب الذي راودني في المطار وأنا في أول رحلةٍ دوليّة أستقلّها بمفردي.

ممتنّة جدًا لرحلة مصر -الحمد لله- بكلّ ما كان فيها من تجاربَ جديدة، لعبتُ بوفرة، تبادلتُ أحاديثَ أحبّها وعرفتُ أقربائي عن كثب. كما أنني ممتنّة لأنني استمعتُ لنفسي وفضّلتُ السفر للمتعة على التسوق وجلسات العناية التي لم يفتْ أوانُها، وقررتُ أنني سأتبعُ صوتي الداخلي دائمًا ما دام الأمرُ لا يضرّ أحدًا ولا يزعجه.

٢٠ شوال ١٤٣٩هـ