حدثَ مرةً أنْ سعى شخصٌ نحوَ حلمِه ثمّ فشل، فقالَ لهُ صاحبه بلغةٍ مواسية “لا عليك، الفشلُ أوّلُ خطواتِ النجاح.”
كانت عبارتُه بليغةَ الوقعِ، فتفشّت بينَ الناسِ كوباءٍ لا شفاءَ منه، كطوفانٍ فكريّ لا صدّ له، كحُكمٍ منزّلٍ لا اعتراضَ عليه. صارَ الواحدُ منّا لا يُعدُّ ناجحًا إلا إذا أسبقَ نجاحَه بفشلٍ يتغنّى به أمامَ الجمعِ كأنموذجِ إصرار!
الجمعُ الذي باتَ يُقدّرُ المعاناةَ أكثرَ من الإنجازِ الذي عقِبَها، الجمعُ الذي يقيسُ قوّتَك بقدرِ الصعوباتِ التي تخطّيتَها حتّى تصل، لا بحجمِ الهدفِ الذي حقّقت أو الفائدة التي قدّمت.
حتى اضطرَّ الواحدُ منّا لأن ينبش في مسيرةِ أيّامه كي يجدَ صعوبةً تعثّرَ بها، ثمّ ناضلَ، وقفَ مجددًا، استعادَ رباطةَ جأشِه، نفضَ الألمَ عنْ عاتقِه وتابعَ سيرَه. مع أن هذه الصعوبة في واقعِ الأمر لم تكن أكثرَ من حجرٍ على قارعةِ العمرِ، لم يلتفتْ إليها ولمْ تتكلّف هي شدّ انتباهِه.
قد يولدُ الأملُ من رحمِ الألم، لكنّ هذا لا يعني ألّا أملَ بلا ألم! قسوةُ الأيامِ واحتدامُ الظروف في وجهِ المرءِ المناضلِ صعبةُ التّخطي بلا شكّ، لكن ماذا عن مناضلةِ الشخصِ نفسَه؟ عن قدرةِ الشابِ المرفّه الذي أوتي كلَّ سُبل العيشِ على مقاومةِ جسدِه الذي اعتادَ الراحة والشروعِِ في العملِ، ليبني ذاتَه بما يكفي أن يخوضُ الحياةَ غيرَ متكّئٍ على أبويه الذين لم يُقصّرا في تدليلِه.
لا عدوَّ ألدُّ على الإنسانِ من نفسِه، نفسه التي تحدّثه بالراحة وتزيّنُ لهُ استهلاكَ الماديّاتِ الوفيرةِ أمامَه بشكلٍ أكبر. نفسُه التي باتت هشّةً لأنها اعتادتْ على أن تكون مقبولة مالكة، ستتهشّمُ متى تعرضت للرفضِ أو الفقدِ. نفسهُ التي لم تعرفْ سوى النجاح، سيكونُ الفشلُ ثقيلًا قاسيًا عليها، مهما كان ضئيلًا في حقيقتِه، وقلبه الذي تقلّبَ في وثيرِ الفرحِ سيفتُك بهِ قليلُ الحزن.
فمتى استطاعَ التغلبَ على ما يعتلجُ داخلَه، وأعادَ بناءَ صلبِه، عُدَّ قويًا.
لا ريبَ في أنّ مسيرةَ الشخصِ الغنيّة بالإصرارِ مدعاةٌ للتقديرِ أكثرَ من ذلك الذي لم يشْقَ كثيرًا، لكنّ هذا لا يُنقصُ من نجاحِ الأخير، فلا داعي لتلغيمِ السيّرِ الذاتية بصعوباتٍ مهولةً تجعلُ قارئها يشعرُ بهوانِه وضعفِه وفقرِ أيّامِه.
بالنسبة لي، أعتقد بأني لو قرأت سيرة شخص حياتُه تشبهُ حياتي العادية وقد اخترقَ عاديّتَها بإنجازٍ عظيم، سأحصلُ على إلهامٍ أكثر من ذلك الذي تُحدِثُه قصص الإصرار الغنّاءة.
وُجدت الصعوبات كيْ تُؤخرّنا قليلًا، فنبلُغَ أهدافَنا في الوقتِ الأنسب، لمُ تُوجد للمباهاةِ بها.
الأربعاء ١ ذو الحجة ١٤٣٨هـ