الأربعاء، 23 أغسطس 2017

الصعوبات ليست للمباهاة


حدثَ مرةً أنْ سعى شخصٌ نحوَ حلمِه ثمّ فشل، فقالَ لهُ صاحبه بلغةٍ مواسيةلا عليك، الفشلُ أوّلُ خطواتِ النجاح.”
كانت عبارتُه بليغةَ الوقعِ، فتفشّت بينَ الناسِ كوباءٍ لا شفاءَ منه، كطوفانٍ فكريّ لا صدّ له، كحُكمٍ منزّلٍ لا اعتراضَ عليه. صارَ الواحدُ منّا لا يُعدُّ ناجحًا إلا إذا أسبقَ نجاحَه بفشلٍ يتغنّى به أمامَ الجمعِ كأنموذجِ إصرار!
الجمعُ الذي باتَ يُقدّرُ المعاناةَ أكثرَ من الإنجازِ الذي عقِبَها، الجمعُ الذي يقيسُ قوّتَك بقدرِ الصعوباتِ التي تخطّيتَها حتّى تصل، لا بحجمِ الهدفِ الذي حقّقت أو الفائدة التي قدّمت.
حتى اضطرَّ الواحدُ منّا لأن ينبش في مسيرةِ أيّامه كي يجدَ صعوبةً تعثّرَ بها، ثمّ ناضلَ، وقفَ مجددًا، استعادَ رباطةَ جأشِه، نفضَ الألمَ عنْ عاتقِه وتابعَ سيرَه. مع أن هذه الصعوبة في واقعِ الأمر لم تكن أكثرَ من حجرٍ على قارعةِ العمرِ، لم يلتفتْ إليها ولمْ تتكلّف هي شدّ انتباهِه.

قد يولدُ الأملُ من رحمِ الألم، لكنّ هذا لا يعني ألّا أملَ بلا ألم! قسوةُ الأيامِ واحتدامُ الظروف في وجهِ المرءِ المناضلِ صعبةُ التّخطي بلا شكّ، لكن ماذا عن مناضلةِ الشخصِ نفسَه؟ عن قدرةِ الشابِ المرفّه الذي أوتي كلَّ سُبل العيشِ على مقاومةِ جسدِه الذي اعتادَ الراحة والشروعِِ في العملِ، ليبني ذاتَه بما يكفي أن يخوضُ الحياةَ غيرَ متكّئٍ على أبويه الذين لم يُقصّرا في تدليلِه.
لا عدوَّ ألدُّ على الإنسانِ من نفسِه، نفسه التي تحدّثه بالراحة وتزيّنُ لهُ استهلاكَ الماديّاتِ الوفيرةِ أمامَه بشكلٍ أكبر. نفسُه التي باتت هشّةً لأنها اعتادتْ على أن تكون مقبولة مالكة، ستتهشّمُ متى تعرضت للرفضِ أو الفقدِ. نفسهُ التي لم تعرفْ سوى النجاح، سيكونُ الفشلُ ثقيلًا قاسيًا عليها، مهما كان ضئيلًا في حقيقتِه، وقلبه الذي تقلّبَ في وثيرِ الفرحِ سيفتُك بهِ قليلُ الحزن.
فمتى استطاعَ التغلبَ على ما يعتلجُ داخلَه، وأعادَ بناءَ صلبِه، عُدَّ قويًا.

لا ريبَ في أنّ مسيرةَ الشخصِ الغنيّة بالإصرارِ مدعاةٌ للتقديرِ أكثرَ من ذلك الذي لم يشْقَ كثيرًا، لكنّ هذا لا يُنقصُ من نجاحِ الأخير، فلا داعي لتلغيمِ السيّرِ الذاتية بصعوباتٍ مهولةً تجعلُ قارئها يشعرُ بهوانِه وضعفِه وفقرِ أيّامِه.
بالنسبة لي، أعتقد بأني لو قرأت سيرة شخص حياتُه تشبهُ حياتي العادية وقد اخترقَ عاديّتَها بإنجازٍ عظيم، سأحصلُ على إلهامٍ أكثر من ذلك الذي تُحدِثُه قصص الإصرار الغنّاءة.


وُجدت الصعوبات كيْ تُؤخرّنا قليلًا، فنبلُغَ أهدافَنا في الوقتِ الأنسب، لمُ تُوجد للمباهاةِ بها.



الأربعاء ١ ذو الحجة ١٤٣٨هـ

الأربعاء، 9 أغسطس 2017

سأكبر وأندم

بعدَ عمرٍ من الآن، سيكونُ لديّ الكثيرُ لأندمَ عليه، أقساه: ندمٌ على شيءٍ لم أفعلْه.

سأندمُ على المراتِ التي جاءني فيها طفلٌ يريدُ اللعب،
فلمْ أستجبْ له
سأندمُ على الأيّام التي رأيتُ خلالها أمي جالسة بمفردِها،
فاتجهتُ صوبَ غرفتي
عوضًا عن أن أجاورَها وأحاكيها
سَأندم على المغامراتِ التي كانت مشرعةً أمامي
فلم أخضْها
والفرصِ التي انهالتْ عليّ كأوراقِ الخريفِ
دونَ أن ألتقفَها
سأحِنّ لكرسيّ الذي تركتُه خاليًا حولَ المائدة
لأني ممتلئةٌ طعامًا أو إنهاكًا أو غضبًا
سأندمُ على الكثير من هزيلِ الأمور
التي تحدثُ كل يوم،
فلا ألتفتُ لها بقلبي أو فكري أو أيٍّ من حواسّي
سأندمُ لأني ضيّقتُ نفوذَ الحياةِ إلي
لأني لم أكنْ البحرَ لنهرِها
ولا القاعِ لبئرها
سأندمُ لأنها كانت وفيرة وكنتُ فقيرةً للاحتفاء بها.

...

سأتحاملُ على الخوفِ
الذي انتصبَ سدًا غليظًا لا يراهُ سواي- 
بيني وبين ما أوشكتُ آتيهِ
كالخوفِ من ردودِ الفعل
الذي حبسَ القولَ في حنجرتي
فاختنقتُ بصوتي ودمعي
وإحساسي الذي كانَ قابَ قوسين أوْ أدنى من الركود
الخوف من من فواتِ الأوان الذي صيّرني طريدةَ الزمان،
أركضُ خلفَ مستقبلٍ لا أراه،
أحاولُ القبضَ على حلمٍ لن يطير،
وغدٍ لا ريبَ في قدومِه!
والخوف من التحدي
الذي أحالني شقرا
وكلُ الناسِ خيولٌ واحدةُ الصهيلِ.

...

سأتخفّف من حنقي على زماني ومجتمعي،
لأغدو مثقلةً بحنقي عليّ
على جأشي الذي حلّ رباطَه عندَ أولِ خيبةٍ،
فلمْ يقاوم .. ولم يحاول
على عقلي الذي سمعَ فصدقَ وسلّم،
لم يمنحني حقي من التجريبِ والتمكين
سأمتلئ حنقًا على حواسّي
التي عجزت أن تواري حزني في حضرةِ أمّي،
فأوجعَها وجعي أكثرَ ممّا أوجعني.



الأربعاء ١٧ ذو القعدة ١٤٣٨هـ