الأربعاء، 29 يوليو 2015

أنُطلِقُ لأفكارنا العنانَ أم نطلقُها..؟

عقولُنا في امتطائهَا سنامَ الزمنِ،
وفي ترحالِها من وإلى الوطن
تشبه المارّة على دربٍ أحَمّ، 
منهم من عجّل خطوَه ومنهم من عدَن ..

بين جنبيها ومن حولها أفكار لا تكف تدور،
شيءٌ لا يُثقِل الطريقَ بوزنِه وسواه يُرعِدُ العبور،
كالموجِ منه ما هو هادئ ومنه ما تُشَقّ به الصخور..!
فأينما أجال اللبُ طرفَه وقعَ على فكرةٍ تشتدّ وتخور،
وإنْ لم يُجلْه اعترضتُه غيرُها بغتةً دونَ إنذارٍ بالحضور!
تشبهُ في قدومهَا الريح، تلفحنُا سويًا وكلنا مرور ..

الأفكارُ ذاتها تحوم، لكننا في تلقّيها مختلفون.

منّا من تعبرُ الفكرةُ خلالَه فلا تُصدرُ همسًا ولا تترك أثرًا، تمرّ كأن لم تكن. فهذا من يرضيه أقل ما يكفيه، لا يرى سوى الاستسلام لقدر وجد نفسه فيه، يلبدُ حيثُ يُوضَع منتظرًا من الأحداث أن تتداوله وتأتيه. يلج إلى الأرض يتزود من طيباتها دون أن يقصد هدفًا، يقتاتُ بخيرها وليس يسلك دربًا. ثم إذا لقيه أجله التحف تُربَها دون أن يترك لها شيئًا إبان مكوثه أو بعده. كأن صفحة حياته وجه معدم الملامح، تقبل أيما يُرسم عليها ولا تعبّر..!


وآخر من بيننا إذا راودته الفكرة التقفها فور ظهورها، ثم التقط الفكرة تلو الأخرى واستحضر أفكارًا أخَر، حتى إذا جمعَ مخزونًا يُشبِعُ نهمَ لبّهِ شيّدَ من أفكاره سلمًا تخطيطيًا يتسلّقه ليبلغ قمة مراده. فتراه دائمًا السابق والقائد، كلما حدث فِكرُه بشيء لبّاه. ويحدث أن تهبّ الخاطرةُ كنسْمةٍ تهزُ وريقات عقلِك أو قلبِك، ثم لا تلبثُ أن ترى سواكَ يفعل ما يدور بخلدِك أو يُتمّ ما نويتَ أن تفعلَ؛ لأن ذات الفكرة لفحتْ ذهنيكما فأعرضتَ عنها وتلقّاها..! فهذا من ترى له في مختلف الميادين جولات وفي شتى العوالمِ أمارات، لا يغادرُ الدنيا إلا وقد أورَثَهَا أثَرَه..!

أما النوعُ الذي يمثّلُ أكثرنا .. فما أكثرَ وأعظمَ ما اشتهى، وما أقلّ ما به انتهى..!
يودّ أن يفعل، يغير، يثْبت ذاتَه، يُحدث تحولًا، يتركَ أثرًا وينشر فِكرًا .. أمنيته الوحيدة: أن يبلغَ أقاصيْ أمنياتِه! فتزهدُ به الأماني ولا تأتيه واقعًا محققًا أو قريبًا موشِكًا. فهذا من تهمسُ الفكرةُ حوله بإلهامٍ، فيلتقطها، يحتضنها قليلًا في أحشاءِ لبّه ثم يُطلقها .. يتركها للفراغ عوضًا عن أن يُطلقَ لها العنان المنتهي بالتحقيق. وهكذا من بعدها الأفكار، تزور خلَده ثم ترحل. ليجد نفسه بعد أمّة ممتلئًا بذكريات الأفكار أكثر من الأفكار نفسها. أكثر ما يرتقبه الفرص، ينتظر صدفةَ النجاحِ فلا يسعى إليه، ويمضي عمره آملًا من هدفِه أن يقصده..! فلا هو الذي أنجز، ولا هو الذي استراح..!


حياتنا تشكّلها وتحيطها الأفكار، مدَّ بصرك حدّ الأفق، أصِخْ سمعَك حدّ الدبيب، تعمّق بعقلكَ حدّ النواة وأطلقْ لقلبكَ عنان الإحساس .. ثمّ استثمر ما يعترضُك من أفكارٍ؛ فأنتَ في الدنيا خليفة..!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق