الأربعاء، 3 مايو 2017

ابنك ليس أنت


عزيزي الأب،
قدْ أبدو صغيرة على أن أشير عليك في شأنِ تعاملِك مع ابنِك، وأقلّ خبرةً من أن أدلي برأيٍ يفوق رأيكَ حكمة، لكن باللهِ عليك هبني مساحة إصغاء تسمح لقولي أنْ يفيضَ بما يعتلجُ فيّ من مشاعِر. ولتعلمْ أنّ ابنَك وابنتَك حتمًا راودتهم ذاتُ المشاعر أو شيءٌ منها على الأقل.

كانَ دلوكَ دائمًا نفّاذًا لأعماق البئر، ودلوي لم يزد على أن يلقي نظرة حائرة من أعلى الحرف ثم يلتقم من دلوكَ رأيه! ماذا لو استمعتَ إلىّ يومًا؟ ماذا لو تركتَ لي فرصة ولوج البئر؟ أخوض غياهبَه، أجوبُ أعماقَه، أنبشُ فيه عن ضالّتي، حتى أقعَ على ما يروي ظمأ رغبتي الجامحة للتجربة وتوقي لإثبات الذات.

أتذكرُ يومَ أخبرتُكَ بقرارٍ مصيريّ يخصني؟ حدثتُك بكل حماسٍ عما أنويه، أمضيتُ وقتًا غير قصير وأنا أسردُ عليك خطّتي التي رسمتُها بدقة، ظننتك ستثني عليها، ستطريني وتشجعني، ستأخذُ بيدي لتعينني على عبور الطريق نحو ما أريد. لكنّ شيئًا من ذلك لم يكن ..
فللتَ كل الحروف التي نسجتُها أمامك ونثرتَها مع مهبّ الإعراض، ثمّ أمليتَ عليّ حرفيًا القرار الذي تراه أصلح لي، كنتُ أمتلكُ القوة الكافية لأقول "لا" وكان لصمتك قوةٌ أكبر تجعلني أبتلع هذه الـ "لا" بعد أن لفظتها!

أوقن تمامًا أنكَ تريد الخيرَ كل الخيرِ لي، أعلمُ أنك تحاول جاهدًا اعتصار خبراتك وتجاربك الفائتة لتختار لي الصواب، لكن ماذا عنّي؟ عن شبابي، عن زماني الذي تغير تمامًا عن زمانِك، عن الناس الذي ما عادوا أبدًا كما كانوا حين شبابك؟ بحكم الفارق العمري بيننا، أنت تفوقني خبرة وأفوقك حيوية، تفوقني معرفة وأفوقك إقبالًا وحماسًا. أشرعْ لي أبوابَ ذهنِك الثري أنتقي منهُ ما يثيرني تنفيذه وخوضُه. حينها سيغدو القرار حكيمًا مُرضيًا، وسيسرّك حتمًا.

عزيزي الأب،
تذكر أنّ طفلَك ليسَ ملكك، هوَ ابنُك وابنُ زمانِه أيضًا، هو جزءٌ قد تجزأ منك فغدا كيانًا مستقلًا بذاتِه، يُكنّ لكَ جزيلَ الحبِ والانتماء، لكنّه ليس أنت.


مِن ذاكرةِ القلم
 السبت ٢٥ صفر ١٤٣٨هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق