الأربعاء، 6 سبتمبر 2017

شهداء العلم وتجار الوهم


الإسكندرية، مصر- ٤١٥م
عُرفت الفيلسوفة (هيباتايا) بأنها أولُ امرأة يخلّد التاريخ اسمَها كعالمةِ رياضيات، جالت تبحث عن العلم ثم جاءت به إلى مصر. اعتكفت على تعليمِ طلابِها الفلسفة، فجذب علمُها الملموس الناس حولَها؛ للاستماع إليها والأخذ بقولِها. ما جعل رجالَ الكنيسة يلومونها على صرفِ الناس عن الدينِ والوهمِ الذي يبثّونه في عقولهم، فحرّضوا أتباعهم ومن يولونهم الحب والتصديقَ التام بقتلها. وهكذا تتبّع جمعٌ من أنصار الجهل أيقونةَ العلم (هيباتايا) بينما كانت تسيرُ عائدة من ندوتِها العلمية، ربطوها وساروا ساحبين جسدَها على شوارع الإسكندرية، حتى ماتت فسلخوا ما بقي من جلدها ثم أحرقوها.


كابول، أفغانستان- ٢٠١٥م
اعتادت النساء التردد على المُلّا الذي كان يعمل في الدجلِ والسحر مقابل المال، فكرهت (فرخنده) -التي نالت نصيبًا من العلم- حالهن، ما جعلها تقفُ لتنبيههن بخطأ اعتقادهن، وردع الملا عن فعلِه، لكن الملا حين عجز عن إخراسِها قررَ أن التخلصَ منها هو السبيل الوحيدُ للإبقاء على مصدر رزقه، فأطلق صوتَه عاليًا متهِمًا (فرخنده) أنها أحرقت المصحف. الشيء الذي هيّج العامّة -الذين ينسبون أنفسهم لدين لا يفقهونه- على الإضرار بـ (فرخنده) انتقامًا للمصحف الذي كانت تحفظه ولا يحفظونه! فانهالوا عليها ضربًا وركلًا حتى ماتت، فمثّلوا بجثتها وأحرقوها.


مهما اختلف الدين والزمان والمكان ستعيدُ الأحداثُ نفسَها ما دامَ الوهمُ قائمًا، فالوهمُ هو حِرفةُ تاجرِه، متى كشفتَ زيفَه سيُوهِمُ الناسَ أنك مستحقٌ للموت، كي يقتولك وتبقى تجارتُه حيّة. وغالبًا ما يستخدم غيرة المرءِ على دينه، فيثيرها ضدّ شتلةِ النورِ من علمك التي أزعجت ظلامَه المتفشّي وجهلهُ المستثري. مع أنّ الإسلام كآخر الأديان السماوية وأصحّها، حرّم العرافةَ والتنجيمَ وقراءة الكفّ منعًا لأن يصدق الناسُ بالوهم ودرءًا لأن يتاجر المحتالون بالدّجل. في المقابل، أيّد العلمَ وجعلَه معيارَ تفضيلٍ في المناصب، فحين اختارَ اللهُ طالوتَ ملكًا كان السبب أنهزادَه بسطة في العلم والجسم”. لذا لن يمقتَ العلمَ والمنطقَ عالمٌ بالدين، إنّما جاهلٌ يدّعي الدين.

في مشهد من فيلم PK، كان البطل على صدد شراء مجسمٍ لإله، فتساءل: إن كان المجسم الصغير سيستجيب لدعائي ما الداعي لشراء المجسم الكبير الذي يفوقه سعرًا؟ ألا يمثّلُ كلاهما نفسَ الإله؟
نفس السؤال قد أطرحُه على من يقرأ القرآن على الممسوس -زعمًا- مقابل المال، لمَ قد يجدي ذلك نفعًا معك بينما لا يجدي نفعًا مع ذويه حين يقرؤون عليه؟ ألا يقرأ كلاكما كلام الله نفسه؟

لعلّ مجتمعاتِنا بحاجة لأن تُمنطِقَ التصرفات وتقيسَ مدى عقلانيتها عوضًا عن أن تُرجئ كلّ جديد إلى الغيب المريب الذي تخشاه ولا تحاولُ فهمَ ماهيتِه.


الأربعاء ١٥ ذو الحجة ١٤٣٨هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق