الخميس، 21 سبتمبر 2017

بينَ عامين



أحيانًا تكونُ الأحداثُ أكبرَ من أن تسعَها مشاعرُك، أبعادُها أوسع من أن تلمّها، تفاصيلُها معقدة بصورةٍ لا تسمحُ لكَ باستيعابها، تتتابَع سريعًا أو تتسابق. تمضي في كلّ اتجاهٍ وأنت في المنتصف، معرَّضٌ لكلّ دواعي الفرحِ والترح، مترنّحٌ بينَ الاحتفاء والغضب، مخمورٌ بالحياةٍ غارقٌ في النَّصَب ..
هل يكون لنا سوى عمرِ الأحداثِ عمرٌ آخر نراجعُ فيه ما حدث؟ نستقيه على مهل، نتأمّلُه، نتشرّبه، ننشتي به أو بانتهائه؟

العامُ الهجري ١٤٣٨ كان مزدحمًا بالنسبة لي، أغدقَ عليّ بوفيرِ التجارب التي لا تشبه بعضَها، بدءًا بالكتب التي قرأت، مرورًا بالمدنِ التي زرت، الموادِّ التي درست، الأهدافِ التي حققت والمهاراتِ التي اكتسبت، انتهاءً بالعقول التي التقيت، باختلاف عمقِ علاقاتي بهم.
بدا الحديثُ إلى الغرباء ممتعًا جدًا، أن تتبادلَ الأفكار وتناقش الآراء مع شخصٍ لا يشبهك في دينك أو جنسك أو عمرك أو مجتمعك أو أيٍ من عالمِك .. فما إن تنطقُ العقولُ تغدو كتبًا مُشرعَة، باطّلاعك عليها تتسعُ آفاقُك وتتغير مفاهيمك.
دائمًا هناك شيءٌ لتتعلمه، شيءٌ لتعملَه وشيءٌ لتشعر به. أظن خلقَ الحوار مع أناس لم تعتد مناقشتهم يجمع بين ذلك كله. ستقعُ على أناسٍ يماثلونَك ويخالفونك، وبقدر الاختلاف الذي تتعرض له ستفهم نفسَك أكثر، فكلّ ما حولَك يدلّك إليك. قد تكون في غفلةٍ عن نفسِك، حتى تخوضَ حوارًا مع شخصٍ يماثلك الطباع، بينما يختلفُ فِكره عنك كل الاختلاف، حينَها ستراه يتحدّث بنبرةِ صوتِك، يجادل بأسلوبك، يتمسّك بعنادِك، ويخطئ أخطاءَك، ما يجعلُك تنتبهُ لعيبِك فتصلحُه. وآخر بعكسِ طبيعتِك تمامًا، إلا أنّ له نفسَ المنطقِ الذي تفكر به، فتجدُه أشجعَ منك، يقول ما أوشكت قولَه لولا خوفِك من عواقبه، ينطقُ عفوًا بما أردت الإفصاحَ به لولا حيائك، كأنّما يتحدّثُ بعقلِك ولسانِه، كأنّه أنت في صورةٍ أخرى. آن ذاك .. لن تملكَ خيارًا آخر سوى الوقوع في حبِّه والاحتفاء به في عمرِك القادم.

ممتنّة -بحمد الله- لكوني التقيت بهذين النوعين خلال العام، ما دفعني لإعادة النظر في طباعي وأفكاري  وصياغتها من جديد. ممتنّة للفرق التطوعية التي شاركت فيها بشتّى توجهاتها: إكسير لتوعية المجتمع، اليوم العالمي للإعاقة، غِراس للترحيب بالمعتمرين والهلال الأحمر لإسعاف الحجيج. سعيدة برحلات السفر التي خرجتُ إليها باختلاف رفقائها والأنشطة الجديدة التي مارستُها. ممتنّة لكلّ الاختلاف الذي غيّرني .. لكلّ الأشياء التي لم أسعَ إليها أو أنتظرها، لكنّ الله أكرمني بها قبل أن أسألَه إيّاها .. راضية بكلِّ ما فات ومطمئنّة لكلِّ ما هو آت.



الخميس ١ محرّم ١٤٣٩هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق